الجحود والخِسّة- بين الطيبة والغباء!

المؤلف: ريهام زامكه09.17.2025
الجحود والخِسّة- بين الطيبة والغباء!

أعلّمه فنون القتال يوميًا، وعندما اشتدّت قوّته انقلب عليّ، ولكنه أخطأ الهدف لحسن حظي لأنه كان (أحول) البصر.

ممّا لا ريب فيه أن أشدّ ما يدمي الفؤاد في هذه الحياة هو الجحود و إنكار الجميل ونسيان الإحسان من قبل أشخاص متأصلة فيهم صفات مذمومة و طباع (الخِسّة) الدنيئة.

فالجحود لا يصدر غالبًا من شخص غريب، بل ممّن نمنحهم اهتمامًا بالغًا يفوق استحقاقهم ونخصّهم بمكانة رفيعة لا يقدرونها، فنحن بأيدينا نرفعهم إلى مراتب عليا، ولكنّهم في المقابل أول من يشمت ويفرح عند سقوطنا.

نحن نصون غيابهم، ونسعى جاهدين لتبرير أفعالهم الخاطئة، وهم بالمقابل لا يتذكرون لنا سوى الهفوات والعيوب الطفيفة، وينسون كل ما قدمناه من إحسان وتقدير مقابل خطأ عابر ارتكبناه عن غير قصد.

ثمّ نجد أنفسنا ندفع أثمانًا باهظة نتيجةً لطيبتنا الزائدة، ونبدأ بلوم أنفسنا لأننا أحسنّا يومًا إلى أناس لا يفقهون معنى الإحسان ولا يعرفون له قيمة!

نجد لدى بعض الناس أعذارًا جاهزة يسوقونها دائمًا لمن يخذلهم وينكر فضلهم، معلنين على الملأ وبكل أسف: (أنا عيبي طيبتي)!

فبالله عليكم، إذا كان كلّ الناس يتمتعون بهذه الطيبة المفرطة، فأين نجد أولئك (ملاعين الجدف) الذين يجحدون المعروف ويتنكرون لأقرب الناس إليهم؛ لذويهم وأصحابهم وأهاليهم وأزواجهم؟!

أولئك الذين قد يتنكرون لعلاقات وطيدة دامت عشرات الأعوام من الودّ والصفاء، وذلك لمجرد زلة لسان عفوية أو موقف عابر غير مقصود؟!

فالشخص الطيّب بحق هو الذي يعي قدر نفسه ومنزلته، ولا يسمح أبدًا لأيّ كان بأن يستغله أبشع استغلال أو أن يدوس على كرامته وعزّته، ثمّ بعد ذلك يلومه لأنه لم يشكره أو يقدّره حقّ قدره!

الشخص الأصيل يعامل الآخرين بنبل أخلاقه وكرم أصله، لكنّه في الوقت ذاته لا يسمح لأحد بأن يتجاوز حدوده ويتطاول عليه، وأن يقلّل من شأنه وقدره، ثمّ يعود ليكرر نفس الأخطاء السابقة ويبرر لنفسه قائلاً: (أنا عيبي طيبتي)!

لا.. اسمح لي هُنا يا عزيزي الطيّب أن أتدخل قليلًا وأقول لك كلمة حق:

(أنت عيبك ليس الطيبة بل غباؤك).

فإذا كنت تسمح للآخرين بأن يعاملوك (كقطعة شطرنج) يحركك هذا وذاك كيفما يشاؤون ومتى أرادوا، فاعلم يقينًا أنّك (غبي)، وإذا سامحت نفس الشخص على نفس الخطأ مرارًا وتكرارًا، ليس مرة أو مرتين بل عشرات المرات، فاعلم علم اليقين أيضاً أنّك (غبي).

وإذا كنت تبرّر دائمًا للطرف الآخر تقلبات مزاجه الحادة، وقسوته الظاهرة، وعدم احترامه لك ولمشاعرك الرقيقة وإنكاره لفضائلك الجميلة عليه بقولك: «أكيد ما يقصد»، فاعلم وتيقّن أنّك شخص (غبي) ولست طيّباً كما تظنّ!

أعتذر بشدّة إن كانت كلماتي اليوم لاذعة كلسعات النحل، فأنا نعم طيبة القلب، ولكني لست غبية إطلاقًا، ولا أردد دائمًا عبارة (أنا عيبي طيبتي)؛ لأنّ لطيبتي حدودًا لا أتجاوزها، ثم إنها لم تكن في يوم من الأيام عيبًا أندم عليه أو محطّ انتقاد بالنسبة لي.

ففي هذه الدنيا الفسيحة أناس يستحقون أن نضعهم فوق رؤوسنا تقديرًا واحترامًا، وفي المقابل هناك أناس آخرون لا يستحقون سوى أن نضعهم تحت أقدامنا، هذه هي سنّة الحياة التي لا تتبدّل يا أصدقائي الأعزاء.

فالبعض إن قلت لهم على سبيل المثال: (الماء مبلول) تجدهم يسارعون إلى دراسة علم الكيمياء المعقد ليثبتوا لك بالدليل القاطع أنّك على حق، وإن احتجت إليهم في أيّ أمر فستجدهم يسابقون أحزانك ومتاعبك، باذلين قصارى جهدهم لعلّهم يستطيعون فعل أيّ شيء يسهم في التخفيف عنك، ولكنّ مشكلتهم الوحيدة أنّهم مهدّدون بالانقراض والاختفاء من هذا الوجود، فالدنيا للأسف الشديد ما زالت تفضّل وتدلّل (الزواحف) من البشر!

أمّا أولئك (الأكالين النكارين) فهم يشبهون القطط إلى حدّ كبير، إذ يختصرون كلّ تضحياتك الجسيمة من أجلهم في جملة واحدة قصيرة وبائسة: (ايش عمل لنا)!

بينما لو عدت بالذاكرة إلى الوراء قليلًا لوجدتهم متشبثين بأذيال ذكرياتك الجميلة من كثرة المواقف النبيلة التي وقفتها معهم، تراهم يتذكرون خطأك الوحيد الذي ارتكبته وينسون لك ألف معروف أسديته إليهم، إن أحسنت إليهم تجدهم يلقون عليك كلمة شكراً فاترة باهتة، وإن توقفت لسبب ما عن تلبية رغباتهم المتزايدة تراهم يتهمونك بالأنانية والبخل الشديد!

خُلاصة القول، وما أودّ التأكيد عليه في هذا المقال: تذكّر جيدًا يا صديقي العزيز أنّ هذه الدنيا الفانية (كالدرج) فاستغلها أحسن استغلال لتصعد إلى القمة، ولا تكن أنت (الدرجة) التي يصعد عليها الآخرون الذين لا يحفظون لك أيّ جميل ولا يراعون لك قدرًا أو كرامة.

وأعذروني من أعماق قلبي إن تحدثت معكم اليوم كحكيمة خبيرة أو قلّبت عليكم مواجعكم الدفينة و(سديت نفسكم) وأحبطتكم ولم أتمكن حتى من رسم ابتسامة صغيرة على شفاهكم، فلقد استيقظت اليوم على (جمبي الشمال)، وحتى إذا لم ينشر (الجماعة) هذا المقال المتواضع سوف أسامحهم من كل قلبي.. فأنا كما تعرفون عني تمام المعرفة عيبي طيبتي الزائدة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة